كتب: لمياء ابو الخير
كشفت دراسة حديثة عن تغييرات تحدث على المستوي الخلوي والتي تتسبب في إستمرار الأعراض المصاحبة لعدوي فيروس كوفيد-19، لمدة تصل إلى بضعة أشهر بعد مرحلة التعافي.
وقد رصدت الدراسة بقيادة الباحثة ماركيتا كوبينوفيا، المؤلف الرئيس للدراسة والباحث بمعهد ماكس بلانك لعلوم الضوء بألمانيا، تغييرات جسيمة في الخصائص الفسيولوجية لخلايا الدم الحمراء والبيضاء المستخرجة من مرضي جري تشخيصهم بالعدوي في السابق، فيما يسمي بأعراض كوفيد الممتدة. نشرت نتائج الدراسة في دورية “بيوفيزيكال Biophysical” بتاريخ 27 من مايو/أيار لهذا العام.
أعراض مستمرة.. ولكن ماهو السبب؟
على هذا الجانب، أوضحت دراسة سابقة انه قد يعاني ما نسبته 76% من المرضي اللائي سبق لهم الإصابة ب “كوفيد-19 بأعراض تترواح ما بين ضعف للعضلات، وإستمرار الشعور بالتعب، وإضطرابات في النوم ، لمدة قد تصل إلى ستة أشهر كاملة، ما بعد الأصابة. نشرت نتائج الدراسة الأخيرة في دورية “لانست الطبية Lancet” في يناير لهذا العام.
وفي دراسة كوبينوفيا، وجد الباحثون زيادة في نشاط العمليات الإلتهابية، وحدوث اضطرابات تخثر للدم، كل هذا من شأنه المساهمة في توسيع الأوعية الدموية على مستوي الميكرو، والذي بدوره يؤدي إلى مضاعفة نسب الوفيات الناجمة من الإصابة بالفيروس.
وعن هذا يقول جوشين جوك، الباحث المشارك في الدراسة “تمكنا من رصد تغييرات جلية ومستمرة على المستوي الخلوي أثناء فترتي الاصابة بالعدوي وما بعدها”، وذلك وفق البيان الصحفي للجامعة.
تداعيات فيشكل وحجم كرات الدم الحمراء
وبفحص خلايا الدم الحمراء بواسطة جهاز التدفق الخلوي للتشوهات real time deformability cytometry، أظهرت النتائج حدوث تغييرات عديدة في حجم الخلايا، وتصلب في بنيتها الخارجية، الأمر الذي يشير إلى حدوث تشوهات في الشكل والحجم، والتي تؤثر سلباً على قدرة الخلايا على حمل وتوزيع الأوكسجين إلى سائر أنحاء الجسم.
يعزي ظهور تلك التشوهات نتيجة ظروف خارجية تتعرض لها الخلايا؛ فتبذل جهداً إضافياً على سطحها المقعر؛ وتفقده بعض من خواصه الميكانيكية. ويذكر الباحثين في الورقة البحثية للدراسة “للبنية الخارجية لخلايا الدم الحمراء بالغ الأثر في تدفق الدم، على أن ظهور بعض التغيرات الطارئة على تلك البنية؛ من شأنه إعاقة هذا التدفق والتسبب في إنخفاض نسبة الأوكسجين في الجسم.”
خلايا مناعية متورطة
بيد أن نتائج خلايا الدم البيضاء لم تختلف كثيرا عن نتائج خلايا الدم الحمراء في حال الأصابة بعدوي فيروس كوفيد-19؛ إذ تفقد الخلايا اللمفاوية lymphocytes– وهي أحد أنواع خلايا الدم البيضاء، أو الخلايا المناعية- جزء من صلابتها، بينما تظهر وحيدات الخلايا monocytes أكبر حجما من نظيراتها في المجموعات الضابطة. وتعقيباً على ذلك، تلعب الخلايا اللمفاوية دوراً هاماً في الإستجابة المناعية في الجسم، غير أنه هناك نوعين منها، هما الخلايا البائية B cell والمنوط بها تكوين الأجسام المضادة المُحيّدة للأجسام الغازية، والخلايا التائية T cell، والتي تهدف للقضاء على الأجسام الغازية والخلايا المصابة معاً.
وكان للعَدلات –خلايا neutrophil– نصيباً من تلك التغييرات، إذ أتسمت بنسب تشوهات أعلي من غيرها من الخلايا المناعية، مصحوبة بإرتفاع في عددها نسبة إلى نظائرها في المجموعات الضابطة. وإذ أنه كلٍ مسير لما خلق له؛ فإن العدلات تؤول إلى إستعمال آليتين لمحاربة العدوي، الأولي هي مشاركة الخلايا المناعية في عزل وإقصاء الغزاة، أما الثانية، تقديم معلومات للتواصل فيما بينها أو مع خلايا آخري لإستحثاث بعض الإستجابات المناعية.
وعن هذا تقول ماركيتا كوبينوفيا “علي الرغم من أن العمر الإفتراضي للعدلات قصير نسبيا، يصل إلى يوم واحد فقط، إلا أن عمر نظيرتها المشوهة يمتد في حال الإصابة بعدوي كوفيد-19 إلي شهور، وهو من غير المتوقع إكتشافه”
خلاصة القول: بالرغم من صغر حجم العينة الممثلة في المجموعات التجريبية والضابطة، إلا أن الدراسة أشارت إلي نسب مقلقة لمتعافين لايزالون يعانون من إستمرارية الأعراض على المدى الطويل ، والتي نتجت جراء التغييرات الخلوية. فعلي سبيل المثال، يعاني ما نسبته 70% من اختبار أعراض الصداع المزمن والأعراض العصبية، بينما يعاني 62% من إضطرابات في الدورة الدموية كالتعرق الشديد، وتسارع غير منتظم في ضربات القلب.
المصادر:
- https://www.sciencealert.com/covid-long-haulers-are-experiencing-brain-fog-similar-to-me-cfs
- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0006349521004549
- https://www.sciencealert.com/covid-19-is-making-lingering-changes-to-blood-cells-which-might-explain-a-lot
مرادفات:
العملية الإلتهابية: هي مجموعة من العمليات الخلوية التي من شأنها تطوير استجابة مناعية لحماية الجسم ضد الأجسام الغازية، كالبكتريا والفيروسات والفطريات.منها.
تخثر الدم: هي حالة من الإنسداد الدموي تسببها بعض المواد الكيميائية في الدم، والتي تدفق إلى أماكن الإصابة والجروح كالتي تظهرعلى الجلد أوالأوعية الدموية الداخلية والشرايين.
المجموعة الضابطة: هي مجموعة تحكم دراسية؛ تضُبط فيها كافة العوامل التي قد تؤثر على صحة بيانات الدراسة، بينما يجري تغيير معامل فقط في المجموعات التجريبية، ويطلق عليه متغير مستقل، على أن يتم تثبيته في المجموعة الضابطة.
الصور:
صورة 1: يعاني ما نسبته 76% من المرضي اللائي سبق لهم الإصابة ب “كوفيد-19 بأعراض تترواح ما بين ضعف للعضلات، وإستمرار الشعور بالتعب، وإضطرابات في النوم (بيكسلز).
صورة 2: تحدث تشوهات في شكل وحجم خلايا الدم الحمراء مقارنة بالخلايا الطبيعية؛ فتؤثر سلبا على قدرة الخلايا علي حمل وتوزيع الأوكسجين إلى سائر أنحاء الجسم (ويكميديا كومنز)..
صورة 3: تظهر الخلايا اللمفاوية بنوعيها الخلايا البائية والتائية، وتظهر خلايا العدلات باللون الوردي، بينما تظهر وحيدات الخلايا باللون الأرجواني (ويكميديا كومنز).
